18 - 09 - 2024

مؤشرات| أطماع الإخوان وأوضاع السودان الملتهبة

مؤشرات| أطماع الإخوان وأوضاع السودان الملتهبة

"الإخوان المسلمين" هي جماعة نفعية وتستغل الفرص في كل الأحداث لكسب تأييد وتعاطف الشعوب، وكافة التجارب على مدى سنوات طويلة منذ ظهور الجماعة للحياة ومولدها في كل دولة وصلت إليها يؤكد ذلك، واستمر هذا النهج حتى الآن، دون تغيير، فالمنفعة وانتهاز فرص القفز على السلطة هي أحد أهم أساليب الجماعة.

موقف جماعة الإخوان في الأحداث الملتهبة في السودان دليل آخر يضاف إلى تجاربهم في أحداث وثورات الربيع العربي، فلم يظهر لهم صوت في ثورة 25 يناير إلا حتى يوم 28 من نفس الشهر عام 2011، ليقرروا أنهم مع الشعب في مطالبهم، واستخدموا أساليبهم في ركوب الموجة، ليخطفوا ثورة الشباب وينصبوا أنفسهم أبطالا، ومنظرين وقادة وأصحاب رؤى ليحصدوا "تفاحة الثورة" في نهاية الطريق.

ولكن سرعان ما باعوا كل المتعاطفين معهم، وبدأوا في إعادة ترتيب الدولة وفق منهجهم، ورفض كل من هو ضدهم، حتى أنهم نكثوا بعهودهم مع من وضع أيديهم معهم للدخول في حالة ديمقراطية تجمع مختلف فئات وقوى الشعب، وأرادوا أن ينفردوا بالسطلة وحدهم، وهو ما كان سببا في الموجة الثانية للثورة في 30 يونيو 2013 في محاولة لتصحيح المسار، ورغم ما عليه الوضع في جوانبه السياسية والإقتصادية من ملاحظات، إلا أنها أزاحت الإخوان.

الوضع في السودان خطير، فالإخوان هم حلفاء للبشير منذ البداية أو قل وجدوا أنفسهم وسط وضع يسمح لهم بالدخول في زمرة السلطان، وفرضوا الكثير من سياساتهم على البشير ونظامه، وكانت الجماعة أحد أهم المعابر لإخراج أو احتواء عدد كبير  من إخوان مصر للخروج، أو قل الهروب من مصر بعد 30 يونيو.

ونلاحظ تشابك أو تشابه المواقف الإخوانية في حالة الغضب السوداني والإحتجاجات التي قامت لأسباب اجتماعية واقتصادية وحالة تردي في مختلف الأوضاع في السودان، وهي نفس الأوضاع التي قامت بسببها ثورة 25 يناير في مصر، ففي مصر انتظروا يراقبون الموقف معلنين الإبتعاد عن الأحداث كلية، إلى أن جاء الوقت الذي خططوا فيه الدخول للثورة بعد ثلاثة أيام من اشتعالها، ويعرف الجميع ما حدث بعد ذلك.

الوضع في السودان مشابه تماما، فرغم أنهم حلفاء مع البشير طيلة السنوات الماضية، إلا أن الجماعة رأت أن مصالحها هي الأهم، لتكون الفرس الذي يقود البلاد في مرحلة ما سقط البشير ونظامه.

ثورة الغضب السوداني فيها جوانب مهمة، خصوصا أسبابها، ولا يختلف عليها أحد، إلا أن حالة القلق هي ما يثير حالة التخوف والخوف، مما هو قادم، خصوصا أن هناك كلام عن عناصر من الخارج، بل من إسرائيل، وصلوا الخرطوم وهم من يديرون حركة الإحتجاج، ثم تاهت الأمور، ليخرج مسؤولون ليتهموا الحزب الشيوعي السوداني بأنه من يثير الناس، إلا أن هناك من يرى صعوبة ذلك.

في كل هذا الوضع، انتهز الإخوان الفرصة لينفضوا أيديهم عن البشير ونظامه، وفي تكرار للمشاهد العربية، ظهرت الجماعة بعد تضخم المظاهرات المناوئة للنظام السياسي في السودان، للمطالبة بخفض الأسعار التي أصبحت تشكل عبئا كبيرا على المواطن السوداني، وأصدرت الجماعة بيانا تعلن فيه الوقوف مع المواطنين ضد ما أسمته "جنون الأسعار"، على الرغم من أن الجماعة لم تكن من ضمن الداعين للمظاهرات في البداية.

ومن المهم القراءة الجيدة لأول بيان أو تعليق للإخوان على المظاهرات بعد اتساعها حتى وصلت العاصمة الخرطوم، حيث قال "أكدت جماعة الإخوان المسلمينفي السودان على أنها تقف صفا واحدا مع المواطن، داعية المتظاهرين ليعبروا عن غضبهم بصورة حضارية دون عنف أو إحراق للممتلكات العامة والخاصة.

ولاحظ أن البيان صدر مساء الخميس 21 ديسمبر الجاري، أي بعد نحو ثلاثة أيام من الإحتجاجات التي انطلقت يوم الثلاثاء 18 ديسمبر، حيث قالت الجماعة وعلى لسان مراقبها العام علي جاويش، إنها "ترفض رفضا باتا" ما وصفته بأحداث التخريب والاعتداء على الأرواح والممتلكات، مضيفة: "نقول لمواطنينا الأوفياء: عبّروا عن غضبكم دون أن تدمروا بلدكم".

وقال البيان "إن الجماعة تتابع عن كثب الأحداث التي تجرى في البلاد، وما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية من ضيق وعنت مسّ قوت المواطن وأثّر سلبا على حياته المعيشية، ونحن "جماعة الإخوان المسلمين" نقف صفًا واحدًا مع المواطن الذي يعبر عن غضبه بصورة حضارية دون عنف أو إحراق للممتلكات الخاصة بالدولة أو المواطنين، ونرفض رفضًا باتًّا أحداث التخريب والاعتداء على الأرواح والممتلكات.

وفي الفقرة التالية يتضح الدخول في مرحلة نكث العهود مع نظام البشير، حيث يقول بيان جماعة الإخوان "بالرغم من الخلافات حول بعض القضايا والتي لم يحدث فيها إجماع، إلا أن ما تحقق كان كفيلًا بإحداث اختراق إذا ما صدقت النوايا والتزم المجتمعون على الحوار- وخاصة الحكومة ورئيس الجمهورية- باعتبارهما الضامن لإنفاذ مخرجات الحوار، لكن تبدد الأمل بعدم جدية الحكومة، ومحاولتها كسب الوقت والتشبث بالحكم، ورمي الفتات لبعض من شارك في الحوار، هذا الوضع كان لا بد من أن يُحرك الشارع تعبيرًا عمّا آلت إليه الأوضاع.

لا يعني ذلك أن البشير ونظامه برئ مما آلت إليه البلاد من أوضاع سيئة، ولكن ليس الحل هو الإخوان وهو ما جسدته شعارات مثل "يا خرطوم آن الأوان لا بشير ولا إخوان".
-------------------
بقلم: محمود الحضري 


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | لغة انفعال الصغار وموقف الكبار وسد النهضة